C.RONALDO عضو نشيط جدا
عدد الرسائل : 114 مزاج : المهنة : الهواية : تاريخ التسجيل : 13/07/2008
| موضوع: زينب عليها السلام سيدة الصبر والتقوى الخميس يوليو 17, 2008 6:38 pm | |
| زينب عليها السلام سيدة الصبر والتقوى
يقف الانسان حائراً مبهوتاً أمام عظمة وشموخ سيدتنا زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام، هذه السيدة التي استطاعت ان تقهر بصبرها، واستقامتها وصمودها إمبراطورية الأمويين، وقد أضحت هذه المرأة الجليلة القدر الأسوة والقدوة الحسنة لأجيال الثائرين بشكل عام.... { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِاَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لاَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ لِيَسوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرا* عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَاِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً * إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ اَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } (الاسراء/6-9) يقف الانسان حائراً مبهوتاً أمام عظمة وشموخ سيدتنا زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام، هذه السيدة التي استطاعت ان تقهر بصبرها، واستقامتها وصمودها إمبراطورية الأمويين، وقد أضحت هذه المرأة الجليلة القدر الأسوة والقدوة الحسنة لأجيال الثائرين بشكل عام، وللنساء منهم بصورة خاصة، نظراً لما تحملته من أثقال المصائب الكبرى، ونظراً لما نجحت فيه من تحمل أعباء الثورة التي قام بها أخوها سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام، فلقد حملت هذه السبطة الشهيدة أثقالاً تعجز الجبال عن حملها حينما عادت الى المدينة المنورة بع د فاجعة كربلاء العظمى التي لم ولن يشهد التأريخ لها مثيلاً فيما مضى أو فيما يأتي ? إذ بمجرد دخولها مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تحولت إلى محل للبكاء ومأتم طال به الدهر، حيث نشرت عقيلة الهاشميين راية السبط الشهيد عليه السلام على ربوعها، كما استطاعت بداعي الاستقامة والوعي ان تنصب لقضية كربلاء مجلساً حسينياً في كل بيت من بيوتها وفي كل شبر من بقعتها المباركة، حتى ان روايات التاريخ لتذكر مدى الرعب والهلع الذي أصاب والي المدينة ودعاه إلى الاستنجاد بيزيد بن معاوية قائلاً له عبر رسالة بعثها إليه: ان زينب امرأة عاقلة حكيمة وأنها تثير وتؤلب أهل المدينة وتحرضهم على الانتقام منك. فكتب يزيد إليه رسالة بدعوه فيها إلى ضرورة التفرقة بين السيدة زينب عليها السلام وبين أهل المدينة. فبعث الوالي إلى الصديقة الصغرى زينب الكبرى من يقول لها: اخرجي من المدينة واختري أي مدينة شئتي، إلاّ ان اخت سيد الشهداء أبت الانصياع لهذا الأمر الظالم قائلة بكل صمود واستقامة وصبر: ماذا يريدون أن يصنعوا بنا؟ هل هي إلاّ الشهادة؟ فهي أعربت بكل وضوح عن الرغبة في الاستمرار على طريق الثورة المقدسة، وأبت ما شاء لها أن تأبى عن التملص دون تحمل المسؤولية، لولا ان نساءً هاشميات أحطن بها وحاولن إقناعها بالخروج من المدينة، وغالب الظن أن الإمام زين العابدين عليه السلام هو الذي حبّب اليها الخروج، فخرجت إما الى ارض مصر على قول بعض الرواة وإمّا الى الشام حيث مرقدها الذي اصبح كعبة لعشاق الثورة الحسيني ة والاستقامة الزينبية. .. ومرة أخرى يقف المرء منبهراً متسائلاً عن السر وراء مثل هذه الصلابة وهذا الصمود المعهود من سيرة السيدة زينب الكبرى عليها السلام ? فماذا كانت تمتلك من اسباب مكّنتها من هزيمة الظالم يزيد بن معاوية ومن قبله عبيد الله بن زياد، وهي المرأة المجردة من كافة ا لوسائل المادية؟.. وللإجابة عن هذا التساؤل الكبير لابد من القول بأن مجرد المشاركة في الشعائر الحسينية أو أقامتها وزيارة مراقد أهل البيت عليهم السلام غير كافيان ابداً للنهوض بمستوى الإنسان الروحي والمعنوي، بل إن الأمل والتطلع والطموح عبارة عن عوامل من شأنها ان تحدو بنا إل ى التزود لمسيرتنا الطويلة. فنحن في هذه الدنيا عُرضة للامتحان والابتلاء والافتتان الذي لا يقتصر على شكل من الأشكال، وحكمة الله تبارك وتعالى اقتضت ان تكون دار الدنيا محلاً لصقل وتشذيب بني آدم ? والاساس في نجاح الانسان لدى الامتحان والمحنة هو التزود بالتقوى ، { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} وهذا العامل هو الأساس من بين العوامل التي جعلها الله سبحانه للحيلولة دون سقوط الانسان في مهاوي الشيطان والهوى والفشل. فكل لحظة يعيشها المرء ويقضيها من عمره المقدّر له لا تعدو كونها مساحة للامتحان بدءا ً من إدراكه وبلوغه حتى لحظة انتزاع الروح من جسده، وإذا كانت عوامل الصحة والصداقة والجاه والمال من شأنها تيسير حركة الانسان في الدنيا، فان عامل التقوى هو العامل الوحيد الذي يضفي على بقية العوامل مصداقيتها وايجابيتها في الحياة الدنيا، وهو العامل الوحيد - ا يضاً- الذي يمكن الانسان من عبور العقبات المستحيلة التصور في الدار الآخرة التي تبدأ أولى مراحلها ولحظاتها فور انفصام الروح عن الجسد، فعندما يوضع المرء في القبر ويرى نفسه وحيداً فريداً في حفرته الظلماء وإزاء هذا الضغط المادي والمعنوي الذي لا يوصف لا تنفعه غير التقوى والعمل الصالح، وعند القيام من القبور والشخوص الى يوم الحشر، ? لك اليوم الرهيب، يوم الفصل والندامة والحسرة والتغابن ? فانه لا نفع المرء سوى ما كان لديه من قلب سليم معمور بالتقوى. وبناءً على ما تقدم، فان زينب بنت علي عليها السلام ما كان باستطاعتها ابداً ان تقف امام الطاغية يزيد متحدية إياه بكل جرأة وشجاعة قائلة له: " فكد كيدك واسع سعيك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا" ما كانت لتستطيع كل ذلك لو لم تكن قد مهدت لقولتها هذه روحا ً مفعمة بالتقوى وجوارح ما امتدت إلى الدنس ابداً، وفي موقف كان يهابه الرجال الشجعان لقد تمكنت السيدة زينب من اعتقال الطغاة الأمويين الذين ظنوا انهم قد اعتقلولها بقيودهم وتفاخرهم وغرورهم وابّهتهم.. ففي الوقت الذي كانت فيه تعاني المرض والانهاك والأذى وقفت ه ذه السيدة العظيمة كالطود الشامخ أمام يزيد قائلة له: يزيد! إني لأستصغر قدرك. أي أنها كانت في مستوى تستصغر وتستحقر وتستهزئ بهذا الطاغية وملكه الواسع وجبروته الشاسع. كانت عقيلة الهاشميين زينب عليها السلام على علم مسبق ومعرفة روحانية تامة بان الدنيا مزرعة الآخرة ? وكانت على مطلق الدراية أيضاً بأن الانبياء والرسل والأئمة والاولياء الصالحون لم يأتوا الى هذه الدنيا إلا ليقولوا للناس بان هذه الدنيا ليست هي المستقر أو ال مقام، وانما هناك ثمة دار آخرة ينبغي ان يحسبوا لها حسابها الأول، وهي دار الجزاء، ولقد اتخذت السيدة زينب عليها السلام هذه الفكرة عقيدة اساسية في مسيرتها الباهرة، فهي حينما اقبل عليها اللعين عبيد الله بن زياد مصرحاً بالكفر قائلاً: الحمد لله الذي فضحكم وقتلك م واكذب أحدوثتكم.. فأجابته بالقول الصادع: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وطهرنا من الرجس تطهيرا ? انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله. فقال ابن زياد: كيف رأيتي فعل الله بأهل بيتك؟ فقالت سلام الله عليها بكل صلابة وثبات : ما رأيت إلا جميلاً؛ هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك. وينقل لنا التأريخ صوراً بطولية اخرى رسمتها السيدة زينب عليها السلام ? وفي ذلك أبلغ تعبير عما كانت تكنه من يقين ورضاً بما كتب الله لها. ففي الوقت الذي كانت فيه منهمكة في ادارة شؤون قافلة الاسرى لمحت من الامام السجاد عليه السلام انه يجود بنفسه وكأنه في ا لنزع الأخير جراء مرضه المعروف إبان واقعة الطف وما تعرض له من ألم نفسي وجسدي بفعل رؤيته مصرع إمامه الحسين عليه السلام وأصحابه البررة وبفعل ما لاقاه من اضطهاد، في هذا الوقت بالذات أدركت السيدة زينب عليها السلام الموقف بكل حكمة ورصانة قائلة: يا ابن أخي ان ه ذا عهد عهده الله على جدك وابيك، ثم اخذت تقص عليه قصة طويلة مفادها ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام فعملت له طعاماً ثم جاءت أم أيمن بالتمر وعلي عليه السلام بالعسل فجلس أهل البيت عليهم السلام بمعية أم أيمن يأكلو ن ? فأبدا الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم انشراحه وابتسامته، لا سيما وأن أمير المؤمنين سأله عن ذلك، فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بأن كيف لا ينشرح وهو يجدهم مسرورين ? فلا شمل اقدس من شمل أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنين عليهم جميعاً سلام الله ، ولكن الحال لم يدم على ما هو عليه، إذ تغير وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وامتقع لونه ووقع على الأرض ساجداً باكياً، ثم رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأسه بعد طول سجود، فهاب الجمع أن يسألوه، وبعد مدة ليست بالقصيرة تقدم علي عليه السلام الى النبي صل ى الله عليه وآله وسلم بالسؤال عن التغير هذا وماذا رأى أو سمع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي ! هذا جبرائيل يخبرني بما يجري عليكم من بعدي. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يروي للامام علي عليه السلام فجائع كربلاء والمصائب التي ستمر على الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه. وهنا بكى الجميع ود عا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهم بحسن العاقبة والصبر. فترى كيف استطاعت السيدة زينب عليها السلام ان تحافظ على هدوئها ورصانتها واستقرارها وهي تقص القصة على الامام زين العابدين عليه السلام؟ وكيف تمكنت من المحافظة على صبرها وصمودها وهي كانت تنظر من قبل إلى الأجساد المقطعة الموزعة على أرض كربلاء، وهذه الأجساد جسد اخيها وإمامها الحسين عليه السلام وبقية إخوانها وأولادها وأقاربها؟ ان النزر اليسير الذي استطاع المؤرخون ان يجمعوه من السيرة العامة للسيدة زينب عليها السلام ليشير بكل جلاء الى ان هذه المرأة العظيمة كانت تمتلك اليقين من أمر ربّها الداعي الى تبصرة الانسان بانه لم يأت الى الدنيا ليبقى فيها او يخلد. وهذه القدرة الخارقة الت ي تتضمنها درجة اليقين هي التي تمكن بني البشر من الاطمئنان والتفرغ الى الآخرة بشكل نهائي، وهذه الحقيقة لا يدركها تمام الادراك إلا من كان له قلب، ولذلك فقد كان الامام علي بن الحسين عليه السلام يطيل الجلوس بعد الصلاة داعياً الله تعالى أن يرزقه اليقين.. اليق ين الذي يستعقبه الاطمئنان الروحي والنفسي الى ان دار الدنيا مقدمة لدار الآخرة. ونحن إذ نعيش في مجتمعات وظروف يطغى عليها التفكك والازمات الاخلاقية وتكاد العلاقات الاخوية والتعاون وحب الخير للآخرين تنعدم، لحريٌ بنا ان نعود إلى سيرة أئمة الهدى عليهم السلام الذين كانوا يوصون شيعتهم بضرورة التحابب ونبذ المشاكل والنظر إلى دار الدنيا نظ رة خبير معتبرن، حتى قال الامام الصادق عليه السلام: كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم، ففي ان نطلق لألسنتنا العنان ونوجه التهم الى هذه المجموعة أو تلك وان نتنابز بالألقاب وان يسخر بعضنا من بعض .. ففي ذلك مضيعة لديننا ? وتهاوناً بوصايا أولياء امورنا الذين فرض ال له علينا طاعتهم، وفي الوقت ذاته نتحول الى مجرد همج رعاء ننعق مع كل ناعق. وإلا قل لي -بالله عليك:- ماذا يعني ان نسلق الشخصية الإسلامية الفلانية بشر التهم ونتناسى ما ينتظرنا من حساب دقيق في ساحة يوم القيامة؟ أوليس السبب الرئيسي في مشاكلنا وتفاقمها هو انعدا م الاحترام المتبادل بيننا؟ وترى لو كانت القلوب - قلوب المسلمين - متآلفة ومتحابة فهل هجمت علينا اللوابس كما نحن الان عليه؟ لا يخفى ان هناك سنناً كونية وقوانين الهية وضعها البارئ عزّ وجل لامتحان الانسان، وبتعدد هذه الامتحانات وتنوعها يكون المجتمع قد وضع في معرض الامتحان العام. ومن هذا المنطلق فقد امتحن الله الشعب العراقي المظلوم بما تعلمون ومالا تعلمون؛ فهو قد امتحنهم بالجو ع والخوف ونقص الأموال والانفس، فالنظام الدولي يذيقه الجوع والنظام الحاقد عليه يذيقه الخوف، فهو بين جوع وخوف هائلين، وما لم يضاعف الشعب وعيه وصموده إزاء ما يراد به من تجويع وارعاب من قبل العدو الخارجي والداخلي فان الأزمة آخذة بالاستفحال والوضع سائر الى تر دٍ اكبر، ونحن في الخارج لا نظن باننا في منجى عن كل ذلك، فالأوامر الشرعية تؤكد علينا ضرورة اتخاذ موقف مبدئي حيال الاوضاع في الداخل أولاً ? ثم التصرف بكل وعي وصدق وإخلاص لانقاذ ابناء الداخل من الكابوس الجاثم على صدرهم، وفي هذا الاطار يستطيع الواحد منا ان ي بذل ما بوسعه، ولو كان بتوجيه الكلمة الصادقة والتواصي بالحق والخير والصبر فيما بيننا - على الاقل-. إن النظام العراقي بما يمثل من مدرسة الحادية غربية وما يجسد من حقد عتيد ضد المسلمين داخل وطننا الجريح، قد ارتكب المآثم لتمييع ثقافة بلادنا الإسلامية، وهو است طاع بسياسته المدروسة والدقيقة ان يعود بالعراق المظلوم الى الجاهلية الأولى ? ولا منقذ من هذا الوضع القاتل سوى التمسك بالايمان والتزود بالتقوى، وهذا التمسك وهذا التزود هما العنصر والعامل الكفيل بتوحيد قلوبنا وارادتنا ? فنحن لا يمكننا ان نتحاب ما لم نتحاب ض من التحلق حول مائدة القرآن الكريم والتمسك بأهل البيت عليهم السلام وبولايتهم. هذا على صعيد السعي لانقاذ الداخل العراقي. اما على صعيد الخارج ? فأقول ان بلادنا المسلمة بشكل عام معرضة منذ أمدٍ الى غزوات ثقافية شديدة السواد تتمثل بما تبثه شبكات الاعلام والتلفزة من برامج وافلام مخلّة بالحياء، هدفها قتل ارادة الانسان المسلم، وإزاء ذلك يسألني بعض الاخوة المؤمنين عن الطريقة الن اجعة لهزيمة هذه الغزوات الثقافية الغربية، واقول لهم: لقد قال رسول الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم : " إذا جاءتكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن" وقال صلى الله عليه وآله وسلم ايضاً: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضل وا بعدي" ان التمسك بالقرآن يتجسد بتلاوته والتدبر في آياته العظيمة واحترام كلماته وتشريعاته، وان نعمل على تربية ابنائنا تربية مستخلصة من تفسير القرآن وفهمه فهماً صحيحاً. أما التمسك باهل البيت عليهم السلام فيتمثل بزرع محبتهم في قلوب ابنائنا والتأكيد الواعي لهم بان ولاية أهل البيت عليهم السلام هي الحبل بين الله وبني البشر ولا رابط بعد القرآن سواه. ينبغي ان نعلّمهم بدقة بالغة تأريخ الأئمة المعصومين عليهم السلام ونستخلص لهم الصبر والتجارب منه. ان من الطبيعي جداً ان يتوجه ابناؤنا وصغارنا الى وسائل الاعلام الغ ربية واقمارهم الصناعية ? لأن الصغار فارغي الذهن ولابد لهم من اجواء نملي لهم هذا الفراغ ? ونحن إذا ما تركنا لهم العنان ولم نؤدي مسؤوليتنا تجاههم فستأخذهم المذاهب مآخذها، وآنذاك سينشأ جيل لا علاقة له بالمرة بتأريخه وارضه وشخصيته التي في المفترض ان يكون علي ها، والحال ان هذا الجيل نفسه سيقف يوم القيامة موقف المشتكي الى الحكم العادل ليأخذ حقه من الآباء والأمهات الذين تغافلوا عن تربية اولادهم وفق المنهج الصحيح، وهو منهج وكلمات ونور أهل البيت عليهم السلام. وانا في هذا المقام أوصي الشباب واليافعين بمطالعة الكتب الخاصة بأحاديث المعصومين عليهم السلام ليوفروا احد العوامل التي تمكنهم من التحلق حول مائدة الشريعة الاسلامية والسيرة النورانية لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. مما لا شك فيه ان من اصول التربية الناجحة هي ان يمنح الكبير الفرصة الكافية لصغيره في ان يفكر ويسأل ما شاء له ان يسأل ? وان يجيبه اجابات مقنعة تتناسب ومستوى إدراكه ? وفي هذا الاطار ينقل لنا التأريخ الخاص بالسيدة زينب -على ندرته- وفي ذلك كل العجب، ان أمير المؤمنين عليه السلام اجلس السيدة زينب والعباس عليهما السلام الى جانبه وقال للعباس: قل واحد فقال بلسان طلق- واحد، ثم قال له: قل اثنين، فقال العباس: يا ابتاه ان اللسان الذي يقول واحد لا يقول اثنين، وفي ذلك اشارة الى ان الله واحد احد لا شريك له. فاستحسن أم ير المؤمنين في ولده الصغير هذا الجواب الدال على اليقين قائلاً: إني احبكم. قامت السيدة زينب وقد كانت تكبر العباس ببضع سنين فقالت : يا ابتاه وتحب الله أيضاً؟ فقال أمير المؤمنين بلى- وهو الذي يقول: والله لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً- فقالت: حبّان لا يجت معان في قلب واحد!! فقال لها ابوها: فكيف الأمر؟ قالت: ان كان ولابد فالحب لله والشفقة علينا، فأخذها وضمها الى صدره وقبّلها. ثم ان السيدة زينب عليها السلام كانت ملازمة لامها الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام طيلة حياتها مستلهمة منها انبل الصفات واروعها، فضلاً عن انها كانت تشاركها حزنها العميق على فقد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ? كما ان الأمر الذي يدل على مقامها ا لرفيع ووعيها الواسع هو انها هي التي روت للتاريخ الخطاب العظيم الذي خطبته الزهراء عليها السلام دفاعاً عن حق أهل البيت ضد مصادريه وظلت زينب مراقبة للأحداث المفجعة التي مرت على أمها وأبيها وأخويها فتزيدها صلابة وصموداً وصبراً ? ثم انها كانت على التزام ثابت ودائم بوصايا جدها وامها وابيها لها بضرورة التخلق بأخلاق القرآن ? فكانت نعم المرأة المجاهدة الصابرة التي انتظرت طيلة حياتها المقدسة ان تؤدي المهمة العظيمة الملقاة على عاتقها، الا وهي صياغة ونشر مظلومية وحركة الامام الحسين عليه السلام الثورية. نسأل الله العزيز القدير ان يوفقنا لما يحب ويرضى، وان يحيينا حياة محمد وآله محمد، وان يميتنا ممات محمد وآل محمد، وان يلهمنا الصبر والتقوى انه سميع مجيب. وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين | |
|